الخميس، 10 أكتوبر 2019

معذرة الى ربكم



يتردد الكثيرون في النصح عندما يَرَوْن الناس متمسكين بقراراتهم ولديهم مبرراتهم ولا يعبؤون بالنصيحة ولا بصاحبها يصمون آذانهم ويغمضون أعينهم وتتوقف عقولهم عند رغباتهم .. 
(صُم بكم عمي فهم لا يعقلون ) البقرة
لكن الحقيقة أن الله أمرنا بالتناصح حتى عندما لا يكون لنصيحتنا مكان في قلوبهم او عقولهم حتى ولو أصموا آذانهم عنها لسببين الاول انه في بعض الأحيان تكون بعض كلمات النصح  النابعة عن محبة المثقلة باللطف واللين فتقع في القلب فيستجيب لها الإنسان باْذن الله ويعمل بها وينتهي عن معصيته، وفي أحيان أخرى لا يكون هناك استجابة وفي الحالتين يرفع النصح عن الناصح الاثم فلا يشمله العذاب، وتُقام الحجة على العاصي بالبلاغ، وتقديم العذر الى الله عز وجل لتبرئة النفس من الاثم بالنصح.. 
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( 164 ) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( 165 ) الأعراف 
وجاء في تفسير الآية قول عبد الرزاق عن عكرمة قال: جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنوا منه، ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست، فقلت ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك؟ قال: فقال هؤلاء الورقات قال: وإذا هو في سورة الأعراف، قال: تعرف أيلة؟ قلت: نعم، قال: فإنه كان بها حي من اليهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كد ومؤنة شديدة، كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً بيضاء سماناً، فكانوا كذلك برهة من الدهر، ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام، فقالت ذلك طائفة منهم، وقالت طائفة: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت، فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفة ذات اليمين، وتنحت، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت، وقال الأيمنون: ويلكم، ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة الله، وقال الأيسرون: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً }؟ قال الأيمنون: { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي ينتهون، أن ينتهوا فهو أحب إلينا لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم، فمضوا على الخطيئة، وقال الأيمنون فقد فعلتم يا أعداء الله، والله لنأتينكم الليلة في مدينتكم، والله ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب، ونادوا فلم يجابوا، فوضعوا سلماً وأعلوا سور المدينة رجلاً، فالتفت إليهم، فقال: أي عباد الله قردة والله تعاوى تعاوى، لها أذناب، قال: ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس، فتشم ثيابه، وتبكي، فيقول: ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها: أي نعم، ثم قرأ ابن عباس: { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } قال: فأرى الذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها، قال: قلت جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، وقالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ }؟ قال: فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين. وقيل هذه أشد آية في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذلك كان إنكار المعصية ولو بالقلب وهو اضعف الإيمان ربما ينجي صاحبه من ان يعمه العذاب مع الآثم و الموافق له ،أما الناهي عن المنكر فقد ثبت في الآية الكريمة نجاته . 
فالمنكر لا تقره الشريعة بحال، فلا بد من تغييره، ولكن تغييره على مراتب، ولما كان الناس يختلفون في قدراتهم على ذلك فإن الشارع الحكيم رتب إنكار المنكر على حسب قدرة الشخص، ولكن لا يعذر أحد من المكلفين بترك الإنكار مهما يكن من أمر، فيجب عليه أن يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أقل الأحوال؛ لأن كل إنسان يستطيعه ولا يعجز عنه إلا من قد مرض قلبه وانتكس ولم يعد يفرق بين الحق والباطل. لما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. ومعنى أضعف الإيمان -كما سألت- أي أقله ثمرة؛ كما قال النووي.
وفي تحفة الأحوذي على شرح الترمذي قال: وذلك أن الإنكار بالقلب وهو الكراهية" أضعف الإيمان" أي شعبه أو خصال أهله، والمعنى أنه أقلها ثمرة، ومن تركها بلا قدرة أو لكون المفسدة أكبر وكان منكرا بقلبه فهو من المؤمنين. وقيل: معناه وذلك أضعف زمن الإيمان؛ إذ لو كان إيمان أهل الزمان قويا لقدر على الإنكار القولي والفعلي، ولما احتاج إلى الاقتصار على الإنكار القلبي؛ إذ ذلك الشخص المنكر بالقلب فقط أضعف أهل الإيمان، فإنه لو كان قويا صلبا في الدين لما اكتفى به. والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق